س/ أتسرقت واحدة زميلتك فى الشغل وبعد شهرين أتكرر نفس الحادث فى نفس التوقيت تقريبا أية رأيك فى الموضوع ؟

أولا ان شايف أن تطور نمط وأسلوب ودرجة الجريمة انعكاس لمعدلات التغير الاجتماعى فى المجتمع وعلى الرغم من دوافع السرقة المتعددة وأن نبل الغاية لا يغنى عن شرف الوسيلة ، تحليلى السوسيولوجى أن المجتمع المصرى حاليا فى أزمة بجد ، سرعة التغيير الاجتماعى فى مصر وعجز مؤسسات الدولة عن مقابلة احتياجات المجتمع وبالاخص لو أستدعينا أراء بارسونز فى المجتمع ورؤيته للنظام الاجتماعى وعوامل استقرار ووظائفه ، صحيح أن البنائية الوظيفية ممكن تفسرنا الحادث ده أفضل تفسير من نظريات تانية وعلى الرغم من الاتهامات الموجه إليها بقصور التنظير فيما يخص التغير الاجتماعى ، هتقولك النظرية ده ان النظام الاقتصادى فى المجتمع فشل فى تحقيق متطلباته الوظيفية بمعنى دوافع الشاب اللى سرق البنت ده ممكن يكون عشان متعطل عن العمل لعجز مؤسسات الدولة الاقتصادية والقطاع الخاص عن توفير فرصه عمل للشاب ده وده بالتالى دفعه لارتكاب سلوك جانح ..شايف التحليل ده بسيط فى معناه ومنطقى جدا بس فى رأى المتواضع تفسير فاشل وخايب جدا ومن السهل لاى حد من غير المتخصصين الوصول إلى كده بسهولة صح .. انا هقدم رؤية تحليلة مغايرة للبنائية الوظيفية .. تعالى نشوف أيه التغيير الحادث فى المجتمع بالنظر إلى القيم الثقافية هتلاقى قيم فى غاية الروعه أنا لمست شوية قيم ثقافية هتحلل الموقف ده من أهمها قيمه الكسب السريع أى شاب عايز يشتغل أو ما يقبض يقبض ألف جنيه مثلا حتى ولو بصورة غير شريعه كانت أو ممكن تقول يتحايل على القواعد القانونية والعرفية وتظهر بقى تعبيرات تجسد المفهوم ده ، المصلحة ، أبجنى تجدنى ، عندك تانى قيمة الكسب غير المشروع ، أصبح بالتالى القيام بأعمال غير مشروعه أسهل طريق لتحقيق الثراء وبالتالى شيوع تجارة المخدرات وخلافه ، ثالث قيمة تغيير ثقافة العمل وأصبح بالتالى الاتجاه العام فى المجتمع الاستهلاك والعمل فى أعمال هامشية تخدم على ثقافة الاستهلاك ونفس الوقت بتحقق مكاسب كبيرة وظهور مهن زى طيارة – دليفرى – مندوب مبيعات، غير النظرة اللى أتغيرت لما نقول أشتغل عامل فى مصنع لو حاصل على مؤهل عالى وبالتالى الاتجاه نحو الاعمال المكتبية بالاساس، وده اللى بيفسر أرتفاع معدلات البطالة بين الشباب الجامعيين ده لو أفترضنا أن الجامعات بتخرج طلبة يستحقوا اللفظ ده !!! ، كمان حدة الاستقطاب الطبقى وظهور شرائح فى المجتمع غير معلوم بصورة واضحة مصادر غناهم الحقيقى وتطلع طبقات وشرائح كتتيرة لتلك المكانة ده بالنظر أن المجتمع المصرى لا يمتلك أى آليات للصعود الاجتماعى، زمان كان التعليم دلوقتى بقت أساليب تانية ..

س / صحيح البنائية الوظيفية ممكن تفسر جزء من الجريمة لكن أكيد فى تحليلات تانية زى ما أنت قولت ، أيه الاضافات الجديدة ؟

تطور الجريمة فى المجتمع المصرى تطور خطير ومثقفين كتتير أتكلموا وشرحوا الإبعاد ده كلها ، بس أنا بعيب على المثقفين أنهم مش أخدوا موقف حقيقى نزلوا الشارع و اتبعوا أساليب للضغط على الدولة ممثلة فى أجهزتها لدفع فى الاتجاه ده .. الناس أتكلمت عن الحرية السياسية والديمقراطية والبعض التانى اتكلم عن فرص توظيف حقيقة مش بطالة مقنعه وناس أتكلمت عن تواجد أمنى مكثف وحاجات من هذا القبيل .. تعالى نحلل تحليل شخصى ، اجتهاد يعنى وهو فرصة نخرج من أسر البنائية الوظيفية والنظريات الكبرى والصغرى .. أولا لو بصنا هنلاقى أن الجريمة ده تقريبا حدثت فى نفس المكان تقريبا وده شى خطير أن كنت بتتكلم فى مئة متر لا هنتكلم فى 5 متر ياسيدى وده بيأكد على دراسة المجرم هنا للأبعاد الجغرافية للمكان ودراستها بدقة ، ده بيأكد اننا مش بنتعامل مع مجرم عادى ، سرق شنطة من بنت، لا ده مجرم محترف ، ثانيا تكرار الحادث فى أقل من شهرين بيأكد معنى سياسى خطير وهو للأسف تحدى سلطة الدولة وانتهاك مفهوم السيادة أحدى المعالم المميزة لمفهوم الدولة فى علم الاجتماع السياسى انت مش بتتكلم عن حدود سياسية مع جيرانك من الدول الأخرى ، أنت بتتكلم عن مناطق فى مصر موجودة وتعالى وشوف مناطق فيها انغلاق أجتماعى بمعنى الكلمة ، سلطة وسيادة الدولة منتهكة ، أفتكر كده معاى رائعه نجيب محفوظ مصر قبل عصر القانون مش فاكر عنوان الفيلم تحديدًا .. أنا فى الحارة اللى ساكن فيها فى مسطرد بيوزعوا البانجو عينى عينك .. تفسر ده بأية يعنى ؟؟ .. ممكن تتكلم عن آلية السرقة كمان .. دكتورة سامية الساعاتى أتسرقت فى وسط البلد بالليل وأتسرقت شنطتها وكتبت فى الاهرام كده .. شوف الجريمة وقعت فى عز النهار عكس الجريمة فى الوعى الشعبى بتوقع بالليل فى عز الظلمة والأماكن المقطوعه .. لا ده فى عز الظهر دلوقتى وقدام الناس عينى عينك أيه تانى غير تحدى لسلطة الدولة القانونية وأنتهاك مفهوم السيادة ... هما كتتير بيتكلموا عن تقنين الاوضاع القانونية لساقى التوكتوك .. الجريمة ده اللى عاملها سواق تكتوك غير مفهوم، السرقة بالموتسكيلات المعتادة طبعا .. وعى الحرامى كان عالى حسن أختيار الوقت والتمكن من الهرب على الرغم أن شهامة المصريين كانت واضحة أن أتنين من سائقى الفيزبا جريوا ورائه ومش لاحقوه !!، أختيار الضحية فى كلتا الحالتين بنت مش ولد .

س/ واضح الموضوع بقى خطير جدا؟

طبعا لان لو أتكلمت عن الاحساس النفسى للبنت ده بعدين يا ترى هيكون أيه مش هتروح من مخيلتها أبدا الموضوع ده ، للأسف المجتمع المصرى مش بقى فيه أى أمن بشرى على الاطلاق .. أنزل الشارع وشوف أنا مش هتكلم عن التحرش الجنسى على رأى أحد التكنوقراط من أجتماع - وأتمنى أن يسمحنى أنتقدوه فى الرأى ده - عندما كتب فى الاهرام بيقول أن التحرش الجنسى بيكلف الدولة ضغوطا كبيرة جدا على الأمن ، صحيح أن الراى ده منطقى بس فى رأى لازم الامن يكون دائما فى وضع أستتاب ، لسبب بسيط أن ده المفترض أن لا يكون الامن فى حاله مهترئة ، متراخى هدفه التنكيل السياسى والحفاظ على أمن النظام وهيمنته على كافة قطاعات الدولة لو عسكرى واحد من بتوع الامن المركزى ، عربية واحدة فى المناطق الشعبية اللى محوطة الجامعة زى مدينة عامر وبولاق كانت هتغير معانى كتترة , تعرف بين مديرية أمن الجيزة ومدينة عامر اللى وقعت فيها الجريمة عارف كام كيلو مش محصلين 5 – 6 كيلو وتقولى أمن ، دلوقتى أكيد البنت ده هتسعى إلى حاجتين أما هتحجب كرهاً عن المجتمع ومش هتشارك بدورها فى تنمية المجتمع والكلام بيدور عن مشاركة المراة السياسية أو هتطور أستراتيجيات للدفاع الذاتى ومش هخبى عليك أنا بفكر فى حاجة زى كده .. ده غير أن الاحساس الدائم أنها هى أو زميلاتها معرضة للسرقة فى أى وقت وفى أى مكان ..

س / أنت بتتهم أذا الامن بترهل دوره ؟

ده حقيقة فعلا بدليل تكرار الحادث بنفس الاسلوب والدرجة .. تخيل معاى التوقيت والمكان وطريقة السرقة واحدة والمسروق واحد هو خطف شنطة من بنت مسكينه ماشية فى آمن الله ، بس قبل الامن وده كله والكلام اللى مش ينفع يتنشر هنا بتفعيل الرقابة الذاتية اللى من المفترض أن أتمتع بيها بس أنا فى مصر سهل جدا ينكلوا بى فى أى وقت ، مكن الشباب ،أفتح الفرص فى الحياة بالذات للناس اللى عايشة فى قاع المجتمع مش فيه آى آلية للحراك الاجتماعى بالنسبلهم .. تغير النظرة مطلوب لأوضاعهم المعيشية بلاش نذكى الحقد الاجتماعى والطبقى الموجود .. عايزين نهدى حدة الاحتقان الموجود فى المجتمع .

س / أتكلمت عن دور المثقفين ممكن تفسير أكتر ؟

هقولك لو أفترض أن منطقة زى مسطرد اللى ساكن فيها طبعا هى أسوء حالا من مدينة عامر بكتيير وأكد على الحتة ده لو قدرنا وانا بحاول كده بجد خلق صفوة سياسية فى مسطرد وتكون آحدى آليات الضغط عشان توقف الجرائم ده ممكن نقول ان الصفوة ده مؤلفه من رجال دين واجتماع و مثقفين المنطقة ورجال أعمال وذوى نفوذ وثراء وسلطة ومكانة اجتماعية وعزوة وكل الحاجات اللى بيتألف منها مفهوم الصفوة السياسية ( قريب من مفهوم كبرات البلد ) طبعا الصفوة ده هيشتغلوا فى حاجتين تطوير مجتمعهم المحلى بيما يعود بالنفع على المجتمع وعلى رعاية مصالحهم العالية ، علاوة على الضغط على النظام الامنى لأخذ موقف فاعل وده مطلوب فى الوقت ده .. صحيح ده حل ساذج لكن صدقنى لو العيال اللى بتبيع البانجو فى حارتنا تعرف أنى واصل بجد ومتمكن من صانع القرار فى مصر ... هما بيحترموننى جدا على فكرة هتلقيهم أختشوا ومش برتعوا فى الحارة والشارع والمنطقة أصلا . . ده مجرد حل يعنى طبعا الصفوة ده هتراعى الحقوق وهتنصف الضعيف حاجة كده زى العمدة هيخف الضغط عن الأمن وهيكون بديل شرعى ممثل للدولة داخل المناطق الشعبية .. بس أهم حاجة القيم اللى هيتبعوها زى العدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات .. لكن للأسف الصفوة السياسية فى مسطرد مجتمعنا المحلى اللى مقالوش أى قيمة اللى مش مقدر قيمة مسطرد الثقافية والاقتصادية والدينية و السياسية .. الصفوة السياسية عندنا شاخت وبقت مش لاقيها أى مواقف حقيقة ولا بتعمل أى حاجة .

س/ بس واضح أنك واع لمفهوم المجتمع المحلى مسطرد بلدكم ؟

صحيح أنا بتاع اجتماع ومتهم من جيرانا بالجنون والهوس والعلم الفظيع وناس كتتير بتقلدنى اللى بيودى عياله المكتبة زى ما أنا مشترك واللى بيستلف منى الكتاب عشان يقرأ ويتعلم حتى لو مش فاهم واللى بيتمنى أبنه يكون زى .. صحيح أنا بزيف وعيهم عشان أكسر حدة الضغوط والتحرشات السياسية والتقييد من حريتى الابداعية وبالاخص الاحقاد الدفينة بعد دخولى الجامعة و الهالة العلمية والاخلاقية اللى أنا عايش فيها ، أنا متهم أنى بتاع اجتماع فاشل .. هما بالفعل أفقدونى القدرة على حل مشاكلهم أو المشاركة فيها صحيح أن تدفق الاخبار عن مواضيع الداخلة فى مجال تخصصى أجتماع يعنى محدود جدا جدا وبيتطلب منى ان أستكشف المجتمع المحلى ، مسطرد بنفسى تخيل كل يوم بتلف حولين مسطرد تجمع وتتقصى الاخبار من بتاع الفول و المقلة وبتاع السمين و الجيران وتكون أخبارين من أهل مسطرد و تجمع أخبار من هنا وهناك وتزرع قيم غائبة .. تود ده وتقوم بواجبك الاجتماعى قدام جيرانك تنزل تعمل شاى بنفسك فى فرح شوف كام ألف مدعوه .. ورغم كده متهم أنى مش بتاع اجتماع .. طب أعمل أيه تانى ...أنا عارف مشاكل المجتمع بتاعى كويس جدا جدا خد ، عندك فى تخلخل سكانى فى مسطرد .. انخفاض معدلات الدخول وده ليه تأثيراته الباثولوجية .. تطور الجريمة .. العنوسة .. أنخفاض الوعى الصحى أو البيئى ... البطالة ... أقولك أنا عايش فى مسطرد فى جزيرة منعزلة عن أى طالب جامعى تخيل معظم زملائى من بره مسطرد ورافضين من تانى مرة يجوه عندى .. حتى أقربهم بالنسبة .. تخيل فى واحد قاعد على مكتبة اللى هو انا عارف أيه اللى بيحصل تحت بيته ومش بتملك القرار السياسى الشجاع للتدخل أو الحل لعوامل كتتير والآخر أنا فى نظرهم بتاع أجتماع فاشل .. يفقدوك القدرة على الحل وأتخاذ موقف وفى الأخر فاشل .

س / أيه ده كله ؟

اللى خفى كان أعظم .. اصلى معظم زملائى واصحابى فاكرين أنى طلعت ببساطة كده عمرو أجتماع .. أنا تعبت جدا ومازالت بس مبسوط أنى حاسس بتألمت وآهات الناس ده وده قيمة الاحساس اللى لازم تكون عند بتوع أجتماع و بالاخص أنى حاسس أنى مدفوع أرفع الظلم عن الناس ده بأى وسيلة .. مقهورين بجد ..