يعاصر المجتمع الرأسمالى الغربى أزمة عالمية تشكلات بفعل الرأسمالية مثلما أدعى المحلليين هناك وأختلفت وتباينت الرؤى حول الأثر المستحدثة لتلك الأزمة على نمو الرأسمالية ككل والتى تشهد تألقاّ وزهوا أستطاعت أن تزكى فى النفوس على أنها البديل الأوحيد والنهائى للنظم العالمية عقب أنهيار النظم الاشتراكية وتحول العالم إلى الرأسمالية ، والتى أستطاعت أن تحقق آمال العالم – و إلى حد ما – فى القضاء على الجوع مثلاّ وتحقيق أقصى معدلات الرفاهية والرخاء للأنسان فى العالم المتقدم حيث تزيد معدلات الدخول فى أوربا الغربية ودول شرق أسيا عن متوسط دخول ونصيب الفرد فى شرق أوربا ودول الشرق الأوسط ، بما فى ذلك معدل البطالة مع تبنى تلك الدول لأقتصاد الرفاهية وخلق ما يعرف بمسمى يشاع مؤخراّ بين الاجتماعيين فيما يسمى ب"دولة الرفاهية " وهى وصف يلقى على تلك الدولة التى تحقق أعلى معدل من فائض الدخل وأستطاعت أن تجد مظلة واسعه من الضمان – المعاش – الأجتماعى ورعاية صحية فائقة ومعدلات منخفضة من البطالة والقضاء على الفقر أو على الأقل خلق آليات تعمل على أنتشال الفقراء من دائرة الفقر التى يعيشون فيها حيث نخط فى تلك المقالة النموذج الأوربى متخذين من ألمانيا نموذج للتجسيد والقياس على دول أوربا جميعا ، أن كان للتعميم قدراّ هنا وخاصة فيما يتعلق بالفقر وتبنى قيم الرأسمالية الرشيدة وفقا لعدد من المقولات التى وردت فى أحاديث نشرتها الفاينشال تايمز .

وعلى الرغم من تلك الأزمة التى عصفت بأقتصاديات العالم المتقدم ودفعت الدولة – على غرار العادة – إلى السعى على التدخل لأنقاذ الرأسمالية ، وخشية أن لا نكون أسرى أزمة عالمية ثالثة – أرى أنها ستجدد علم الاجتماع فى مرحلة جديدة من التطوير وأتساع النظرة العالمية للعلم ليشمل دول العالم النامى وبخاصة فى كتابات السوسيولوجيين الأوربيون والامريكان – وأن الرأسمالية أثبت فشل مريع وأنها لم تتضمن آليات من داخلها تطور بها نفسها وتسعى على القضاء على مختلف المشاكل او العثرات الناجمة عن تبنى قيم التربح السريع والجشع التى دفعت بعض البنوك فى أمريكا – أحدى أسباب الأزمة – إلى الإفراط فى أقراض راغبى السكن المتميز – إيجارات فيلات وشقق سكنية – دون ضمن نقدى حقيقى حيث تعثر المستأجرين الجدد فى الوفاء بتلك القروض ونشأت تلك الأزمة التى صاحبها أنهيار للعديد من البنوك أنئذاك .

السؤال المطروح حالياّّ على مستوى الإعلام الغربى عموماّ وهو الدائر حول مشروعية وآلية تدخل الدولة لإنقاذ الرأسمالية من عثرتها تلك ، ووفقاّ لرأى متواضع من قبلنا نشير إلى نقطة قد تكون غائبه عن الذهن وهى المتعلقة بقيم الرأسمالية فى أصولها الأولى ، والتى أخشى أن أقع فى شرك ألتباس المفاهيم حول معنى الرأسمالية وحول علاقتها بالدولة والتى أجاز البعض فيها إلى تبنى الدولة قيم الاقتصاد الحر والسوق المفتوح والقطاع الخاص بمعنى أوسع ان تخلق الدولة ممثلاّ فى هيئاتها التشريعية والتنفيذية إلى خلق البيئة المواتية والإطار الضامن لدفع العديد من الاستثمارات الأجنبية بها ، ووفقاّ لتلك النظرة الضيقة لمفهوم الرأسمالية وعلاقتها بالدولة نستطيع أن نرى أنه ليس هناك التزاماّ أحادى الجانب من قبل الدولة فى صورة هبة أو منحه لا ترد للرأسمالية لكى تعمل وتسثمر بقدر ما تضمن الدولة فى تلك الحالة نتيجة تشجيع الرأسمالية للعمل بها ، للتخلص من بعض الأزمات المحدثة فى تلك البلدان حيث الفقر وأنخفاض نصيب الفرد من الدخل القومى والبطالة وما ينشأ عنهم من ظواهر باثولوجية كالجريمه ذات الطابع الذى يدفع المجرم الى الشرقة للحصول على مال أو قصور يد الدولة عن الوفاء بتحقيق الرفاه الاجتماعى لدى مواطنيها وهو الدور الذى نجحت الرأسمالية فى بعض بلدان كالصين مثلا فى القضاء عليها بأقتدار ، وبالتالى بقى على الدولة التزام مقابل الرأسمالية لا يتضمن بصورة شرعية معترف بها " خلق الأطار التشريعى والتنفيذى لنمو الرأسمالية وأطلاق يد القطاع الخاص " بما يشمل ذلك من آليات نذكر منه على سبيل المثال هنا فى مصر تخفيض قيمة شراء الاراضى الصالحة للأستثمار بقيمة 40% أو ما يقارب من تلك النسبة لصالح المستثمرين أو تأسيس هيئة أو وزارة للأستثمار ، وأحداث تعديلات على بعض التشريعات القانونية والتى ذهبت إلى صالح المستثمر، بما فى ذلك مد شبكات وخطوط مواصلات وأتصالات على نطاق واسع مثل التوسع فى أنشاء الطرق السريعه والموانى ... ألخ ولهذا أصبح على الدولة بالنظر إلى أنها " مش بابا وماما على حد تعبير أحد الرأسماليين فى الحكومة المصرية " والراعى الأول للنظام الرأسمالى - وهى الرؤية التى دفعت العديد إلى توجيه الأتهام الى حكومات البلدان الرأسمالية وذلك نتيجة لدفعها مليارات من الدولارات لإنقاذ تلك البنوك من خطر الإفلاس أو تبنى آليات الدمج على مستوى مؤسسات الدولة التى تعانى من خطر الإفلاس هى الأخرى – الى التدخل بقوة لإنقاذ الرأسمالية وهو أمر لا يعاب فى رأينا إلى الرأسمالية أو الدولة ، لأنه وعلى حد قول أحد رواد السوسيولوجية فى تلك البلدان " على أنه لابد من أخذ موقف ما " وهو ما كان ، وبصورة تشير إلى قدرة الرأسمالية على تجديد نفسها أن جاز التعبير أو الوصف هنا نقول أن تحالف الرأسمالية مع السياسية كان له الدور الإعظم لسبب بسيط نستطيع أن نستشفه مع النموذج الألمانى وهو المتعلق بأنعكاس صورة ألتزام الدولة السريع إلى أنقاذ الرأسمالية من أزماتها وهذا السبب يعود إلى خشية فقد صوت الناخبين فى بلدان أوربا وأمريكا والثقة فى قدرة الصفوة السياسية والنخبة الاقتصادية على فشل نهج الرأسمالية وبالتالى الإطاحة بالآمال المعقودة على ذلك النظام " وذلك لما تتمتع به تلك الدول من أنظمة ديقراطية وبرلمانات وسياسين رأسماليين علاقتهم بالرأسمالية تتأخذ صورة تشريعية تنحى إلى العدالة فى ذاتها ، وليس هو الحادث فى مصر حيث تحالفت الرأسمالية مع السياسية ، فباستطاعة الرأسمالى من هؤلاء المحتلين قرابة 60 % من مقاعد مجلس الشعب فى مصر التصويت لما يعود بالنفع والفائدة على أستثماراتهم !!!.

وبعد تلك المقدمة المطولة والغير مفسرة بكل تأكيد على رؤية الرأسمالية فى الغرب ودولة الرفاه الاجتماعى والحديث الذى يذكى فى نفوس السوسيولوجين نظرية التحديث والتنمية أو نظرية التبعية حيث نحن فى حل منها الان فى معرض المقالة ، فى الإشارة أو التلويح بهم ، حيث نسعى فى تلك المقالة إلى توجيه وجهة نظر محللة وفقاّ لما تم دراسته فى قسم الاجتماع جامعة القاهرة على أيدى خيرة من أعضاء هيئة التدريس على رأسهم العلامة د. / كمال التابعى ، دعونا أذا نفند بعض أراء ومزاعم ماكس فيبر أو بالاحرى أستعارة مقولاته حول دراسته " البروتستانية وروح الرأسمالية " وما هى المحاولات التى قام بها الانسان الاوربى فى تخطى تباعات تلك الأزمة وهى تعكس فى رأينا ما يتمتع به من وعى وعلم يعكس أوربا فى عصر التنوير ( سمى عصر العقل وعصر الموسوعات وهو العصر الذي أمن فيه رواده بقيمة العقل فى أدراك الأشياء بدلا من العواطف وهى صورة ذات معنى بالنظر إلى القيم التى نادي بها رايت ميلز حول القيم التى ينبغي أن يتحلى بها الباحثين فى العمل الميداني وهى الإيمان بقيم العقل والحرية والبحث عن الحقيقة ، من أمثال رواد ذلك العصر كلا من جون لوك و ديكارت وفولتير ومونتسيكو ).

وحيث أن " الذكرى تنفع المؤمنين " كما أنها تعيد صورة غير ذات دلالة لتقديس السوسيولوجين العرب لرواد علم الاجتماع الأوائل دون محاولة " التأصيل العلمى " لرواد علم الاجتماع فى القرن العشرين أو الواحد والعشرين ، فنادراّ ما نلقى أحتفاءاّ بأحد الرواد مثل جيدينز بوصفه أحد مجددى علم الاجتماع فى القرن العشرين أو من العرب مثل العلامة المصرين مصطفى الخشاب وأخرون ، لهذا ننحى إلى أعادة أمجاد ماكس فيبر وللغرابة والدلالة فى ذات الشان لها معنى أن محور المقالة يدور حول ألمانيا بالنظر إلى أن ماكس فيبر (1864 – 1920 م ) عالم اجتماع ألمانى ؟! ولهذا سأدعو نفسى إلى تدشين نقد جديد لرسالته " الأخلاق البروتستانية وروح الرأسمالية " وبالاخص أن ربطنا مثلما سيأتى الشرح حول قيم البروتستانية التى تدعو الى قيم العمل وتبنى سلوك أدخارى مميز و الايمان بقيمة الوقت وتحصيل الثروة فى ذاتها وتطوير منهج علمى وأدارى مميز .

يعلم السوسيولوجين أهمية تلك الرسالة فى إلقاء النظر حول العلاقة التبادلية من حيث التأثير والتأثر بين الدين والقيم الاقتصادية ، وعلى الرغم من أهمية تلك الرسالة و عدد الانتقادات التى وجهت إليها أضيف هل للمجتمع الألمانى دون سواه عن مختلف مجتمعات أوربا الغربية والتى أشار إليها ماكس فيبر بأنها هى والتى أعتنقت المبادىء البروتستانية كانت لها دور كبير فى تبنى الرأسمالية دون غيرها من دول أوربا الشرقية ، هل ظهرت تلك المبادىء فى أوربا دون غيرها !! زعم فى حاجة إلى تفنيد وتدليل ولهذا سأدعوى نفسى وزملائى إلى التحقيق من ذلك الأمر لاحقاّ .

قام ماكس فيبر بدراسة العديد من الديانات كالاسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والكونفوشيسة بهدف التوصل إلى القيم التى تتضمنها تلك الديانات وحول هل أنتشرت فيها الرأسمالية كما قام بدراسة العديد من البلدان التى صاحبت نمو الرأسمالية بها مثل بابل ومصر وأوربا الغربية ، حيث أرجع ماكس فيبر سرعة نمو وأنتشار الرأسمالية فى تلك البلدان الى أعتناق أفرادها البروتستانية و هى التى تدعو الى تبنى معتنقها العديد من القيم التى تدفع الى نمو الرأسمالية ، حيث نوجز من تلك المبادئ مثل ( القيمة الأخلاقية للعمل ، ضبط النفس ، الشعور بالمسوؤلية الشخصية ... ) وهى - أى الأخلاق البروتستانية – تحث فى أهدافها الناس على العمل إيماناّ بأن العمل خيرا من ذاته ، كما تشدد على الرفاهية الزائدة التى تلخى الناس عن واجبهم نحو الله والذى يصلوا إليه عن طريق العمل ونكران الذات إبتغاء الإستقامة ، بما فى ذلك القيم التى تشكل أساس الرأسمالية مثل الإخلاص والتفاني فى العمل والنجاح والأدخار وأحترام قيمة الوقت والعلم

This entry was posted on Jun 8, 2009 at 7:17 PM and is filed under . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

1 انشر تعليقك على المقالة

السلام عليكم اخ عمر
سياسة الاقتصاد اهم من الاقتصاد
الذي يشكل السبب الرئيسي للحروب
ادراج مفيد,شكرا لك
سلام

June 9, 2009 at 6:54:00 PM GMT+3

Post a Comment