الفقر يبدو جاسماّ على ذوات البشرة السمراء والتى تلفحهم شمس الجنوب , كما تعلمون الهذيان وسوء التغذية وضعف البنية يبدو ظاهراّ على ملامح ووجوه الناس , الجميع تراهم يتدفقون على شراء المواد التموينية وبالاخص الدقيق والى يشكل لديهم هاجساّ مريباّ حاله اْختفائه اْو نقص الحصص التموينية نظراْ لإعتماد الصعايدة على القمح كمورد اْساسى فى الغذاء, فغالباّ ما يجتمع الناس فى حلقات اْو آحاديث عابرة فى داخل الحقول_ يطلقون على الحقل هناك خلاء_ عن آخر سعر لجوال الدقيق فئة ال 25 كيلو جرام , ورغم لا اْود التطرق الى تلك المواضيع حالياّ , فالعزة ها هنا لا تقتصر على الإستجداء فقط كؤشر عام لها , واْنما اْذكاء شرف النسل والكرامه والتى قد يفتدى بها الصعيدى نفسه حفاظاّ على شرفه الذى يعتز به , فغالباّ لم اْسمع حتى اليوم عن جرائم تخدش الحياء العام من قبل الاغتصاب اْو التحرش الجنسى اْو الإعتراض فى الطرقات والمعاكسات والسرقة بالإكراه , فجرائم الشرف هناك تكون عقوبتها الدم!! وليس شىْ اْخر.
العزه لا تقتضى اْتساقاّ مع مبداْ الرجوله والتى ينشاْ عليها النشْ على آعتبارها انها من صفات الرجوله _يطلقون على صفة الرجل هناك رجيل_ التحمل والمسئوليه , واْن يكون عصامياّ , فالتميز على اْساس الجنوسه _اْو الجنس_ يبدو واضحاّ , هناك اْدوار محددة للذكور , تختلف بطبيعة الحال عنها عند الاناث , والذين هن الاخريات يعتزن بإونثتهن وبإنهن ذوات شرف نبيل , فالثقة فى المراْة وتمكينها _مثل ما تشير مبادىْ وآتجاهات مبادرات الحركة النسائيه اْو النسويه, تبدو جليه من اْخذ مشورتها فى نطاق اْختصاص تقسيم الاعمال , آنتهاءاّ بتفعيل بعض القرارات التى تصدرها الجده اْو كبيرة العائله حال اْن ثبت جدواها وفعاليات تلك القرارات , حيث اْن دور المراْة هانك آقرب ما يكون آستشارياّ فقط ,ليس هذا ناتج عن جهل وعدم وعى اْو تسلط ذكورى عليهم , واْنما هى طبيعه خاصة بالنساء هناك , قد تجتمع المراْة مع ابن عمها اْو من غير المحارم عليها فى نطاق غرفة واحدة شبة مغلقة بعيداّ عن اْعين الناس , ورغم ذلك لا تحيك اْو يخيل لزوجها الشك ولو قيد اْنمله فيها , وذلك ناتج عن الثقة السامقة فى المراْة فى مجتمع الصعيد.
لا يقتضى خروج النساء الى الخلاء _الحقل اْو الريف_ ومساعده زوجها فى آعمال الفلاحة مثلما يحدث فى الوجه البحرى , حيث من المحظور على النساء اْرتياد الحقول اْو ركوب الحمير , واْن اْضطرت الظروف الى ذلك تسير على قدميها , على اْن لا تركب الحمير المخصصة للرجال والفتيه , كما لا تجتمع النساء مع الرجال الغرباء فى الطرقات فغالباّ لا تلقى عليك قريبتك اْو اْن ترد عليك السلام فى لحظة عابرة , كثيراّ بل اْكيد وحيثما ترقبت وتابعت , لا تخرج النساء الى الطرقات بعد الغروب "الساعة الخامسه على وجه الدقة " , على اْن يقضى حاجاتها المعيشية اْو السبب والغرض الذى خرجت من بيتها من اْجله اْحد الرجال اْو الشبان , والين تمتلى بهم الطرقات فى الليل , اْما للسمر والتجمعات لمناقشة اْمور الحياة اْو ما شابه ذلك , على اءن ترتدى زياّ لا يلفت اليها الانتباه , فالزى الرسمى هناك الجلباب والتلحيفه والعصا للرجال , اْما النساء الإسدال والحجاب ,على اْن يكون اْسود ولا يشف اْو يصف ما تحته , على اْن تلتزم فى الطريق بعدم التحلق فى النظر واْستراع السمع اْو ما يثير الشهوات اْو ما شابه ذلك من افعال لا تتعمد القصد.
من آهم مظاهر الإستجداء الشائعه فى الصعيد هو نظام الحلب وهم طائفه تعانى ما يشبه الإستباعد والإضطهاد الإجتماعى من قبل الصعايدة ككيان , حيث تنتشر طائفة الحلب فى آقليم جنوب الصعيد , تتركز فى جماعات منغلقة فى كلا من محافظتى السوهاج وقنا , الزواج داخل الطائفه داخلى , تعيش فى كاتونات , منعزلين فى نطاق معين على اْطراف المدينة اْو فى وسط وقلب المدينة , تمارس الطائفة مهنة الحدادة وذات مهارة فائقة من حيث الجوده والتقانه فى اْدوات الزراعة والصناعة اليديه , كما تمارس تلك الطائفه اْيضا مهنة _اْن جاز التعبير عنها بمهنة حيث تشير الى اءنشطة هامشية فى ظل النظام الراْسمالى ,سيجرى اْصطلاحها مهنة حتى لا يلتبث على القارىْ الإمر_الإستجداء خاصة فى فصول ومواسم ومناسبات دينية اْو الحصاد , حيث تجوب النساء آقطاب المدينة اْو الريف يطرقون على الاْبواب , كسره خبز اْو بعض من خيرات المنزل _خضار وفاكهة ,طيور , نذور وآضاحى _, فضلاّ عن اْموال , حيث غالباّ ما يعاد بيع تلك الخضروات او الفاكهة وعلى وجه الدقة القمح ليعاود بثمنها لصرفها على اْحتياجات الإسرة , آلصقت بتلك الطائفة ذهنيات ثقافية عده من آهمها بإنهم ليسوا عرباّ اْى لا ينسلون من شرف قبلى , اْو لإنهم يمارسون الإستجداء اْو الإعمال السفلية والدعارة , حيث يوصم بمن يتزوج منهم بالدونئيه ويتم اْقصاؤه من كيان الجماعة , حيث يندر من بين اْبناء الصعيد الشبان المشاركة بتكوين صداقات اْو العمل مع إقرانهم من الحلب!! , فالطائفه تعانى تميزاّ ملحوظاّ , تميزاّ ليس قائماّ على عرق اْو دين _يدنيون الحلب بالإسلام!!_واْنما على اْسس قبلية فى المقام الاول , اْظرف شتميه اْو سبه تلحق بك هناك اْو توبيخ ونهر بإنك حلبى !!فآصل التسمية جاء من اْنهم يجوبون آطراف الإقليم , ولا يستقرون فى آماكن محددة , فنوازع الإستقرار لا تدفعهم الى التجاور المكانى والذى يصاحبه آستصلاح الإراضى آو الإشتراك فى مشروعات اْنتاجية كويلة الآمد تتدفع بك الى التشبث بالإرض ,كما اْن صفة الحلبى هى صفة وراثيه فى المقام الإول , يرثها الطفل عن آبيه وجده , تتاْصل بصورة فجه , فالتحيز واضح هناك , فغالباّ لا يحضر اْحد من اْبناء قريتى عرساّ اْو مناسبة دينية لهم والعكس صحيح , تبدر الإشارة الى ان تلك المضامين والمؤشرات لا تتم عن عمد وفعل قصدى , بل اْنه اْسلوب وطريقه فى الحياة والتفكير تمارس بصورة غير مدركة ولا آراديه...
تعمدت عن قصد الإختلاء بنفسى مع محاولاتى فك القيد المفروض على تجوالى منفرداّ داخل طرقات ودروب القرية والمدينة على وجه الخصوص, هم يخشون على ليس بحكم كونى غريباّ قد اءتعرض لمكروه وآنماء الحرص على الإمانه , بإنهم سيتعهدوا من قبل اْسرتى بالحفاظ على عودتى سالماّ الى مصر_تعد القاهرة قبله وجنه الصعايدة الموعوده وبالاخص النساء من تحالفهن الحظ فى الزواج من صعيدى مقيم بالقاهرة_.
عزة النفس لدى الصعيدى تشكل لديه حاجزاْ اْخلاقيا وثقافياّ جسوراّ, فخوراّ يكاد يختال من خيلاء الكبرياء والعظمة والتى تشعره بالسمو والرفعه على ما دونه من ينى جنسه اءو بنى وطنه , فالوحدة العرقية _اْن جاز التعبير عنها هنا_ تشكل ضميراّ جمعياّ , يدعو الى وحدة واحدة قد لايكون اْساسها وحدة الدم والنسل , واْنما وحدة القيم وجغرافية وسحر المكان زطبيعة الظروف الإجتماعية التى يعيشها هو واْقرانه , فالعفه والتعفف عن الإستجداء فى الطرقات وخجل النفس نظير تعاطف الناس طلباّ للتكافل الإجتماعى اْو حفنه من المال لا تكاد تذكر , فمعظم زياراتى الخاطفه الى مجتمع الصعيد , وبرؤيه وملاحظة سوسيولوجيه قادرت على الإستشفاف بإن نسبه المستجدين فى الطرقات لا تكاد تتجاوز الواحد فى المائه لعده عوامل وآعتبارات من اْهمها النظام التكافلى المتبع فى الصعيد , فى تلك الإونه حيث تزيد الهوه والعدالة فى التنمية وتوزيع الخدمات المقتصرة على العاصمة دون اْقليم جنوب الصعيد , بما دفع اْبناء الصعيد الى الهجرة الى الوجه البحرى طلباّ للعمل , والتمركز حول محافظتى القاهرة والإسكندرية ومدن القناة , يعتبر الصعايده بإن الشحاته عملاّ مشيناّ لدرجه تدعو الى التحاشى والتجنب والصاق اللعنات والإستهزاء ووصمه بالعار هو واْقرانه من اْفراد عائلته!!_تخذ تلك الافعال وتعد من اْحد آليات الضبط الإجتماعى غير الرسمى او العرفى_, حيث يدفع ذلك العائله المنتسب اليها المستجدى , لإتخاذ آجراءات حاسمه لمنع ذلك الشخص من الإستجداء , حيث قد توفر له بعض الإسر دعماّ مالياّ محدوداّ اْو آستقطاع بما تجود به الإرض من خيرات تتدفق على الإسرة الفقيرة ا}و المشاركة المالية بمشروع اْنتاجى يسمى هنا "نظام الشرك" , هذا آتساقاّ اْن كان مع العزة والنخوه التى تخلق وحدة تجمع الصعيد ككل , حيث نجح المجتمع هناك عبر آليات متباينه فى النهوض والتقليل من معدلات البطاله , هناك ما يسمى بنظام الشرك وهو نظام آقتصادى يهدف الى تربيه النشْ على فنون التجارة والربح , حيث يساهم كبير العائله بمشاركة الفقيرفى تلك الحالة بما يوازى 2/3 ثمن الماشية على اْن يتولى الآخر مسئوليه الإطعام , على اْن تباع هى اْو وليدها على اْن ياْخذ منها الفقير2/3 والمالك1/3 , كما اْن هناك نظام التبادل السلعى والمقتصر على دوره تراكمية من شراْ سلعة مقابل ما يوازى قيمتها من البراسيم اْو علف الماشيه اْو المبادله البسيطة_نظام المقايضة لا يزال موجود هناك فى الصعيد ويتم بصورة محدودة_البيض البلدى مقابل بعض الخضروات كالملوخيه والباميه , ولن اْخفى عليكم علماّ بإن صنفى الطعام الشائع للفقراء هناك هما الملوخيه والباميه وفى بعض الاحيان يتم خلطهما على بعض!!, ورغم هذا مع تباين حده الفقر بين المدينة والريف هناك , لا يضجر الصعيدى اْو يتذمر ويسخط , فالقناعة والإشباع الروحى وسمه التدين يلعبا دوراّ شعائرياّ فى الإعتقاد بالرزق واْن الله بصير بعباده الفقراء.
مظاهر العزة تتعدد وتاْخذ آبعاداّ وفقاّ لسياقات عده , فتجنب ما يشين هو السمه والطابع الغالب هناك بصورة عامه , ما يعننى سوسيولوجيا عمليات آنتقال وتواتر تلك العملية والمضامين الإجرائيه المتعلقه بالعزه الى الإطفال فى عملية التنشئة الإجتماعية , حيث يجرى تلقين الطفل منذ الصغر تلك المبادىْ , والتى تخرج فى توجهات ومواقف من التحذير بعدم جواز الصداقة مع الحلى _والذى ورد ذكره آنفاّ_ اْو التحلى بالرجوله فى مواقف كتحمل المسئولية العائليه وما يصاحبها من آلتزامات آو فى مناسبات كالعرس آو الاحزان كالوفاه , كما يمارس المعلمون فى المدارس اْدوراّ! كهذه فى الفصل بين الطلابوالطالبات فى المراحل الإولى , منحهم الحق والعوده الى منازلهم فى فترة الفسحة _على الرغم من اللوائح التنظمية لا تدرج الفسحة لطلاب المرحلة الابتدائيه السماح للطلاب بالخروج من المدرسه علما بإن التزام الطفل بالرجوع اليها التزاما ينبىْ عن العزة!!_ , فالعزة لا تقتضى الكذب اْو الهروب من المدرسه , بما يعطى الضمانه لهؤلاء الملعمون بعوده الطلاب الى المدرسه وليس ما يحدث فى مدارس القاهرة!!. قد يكون من آليات التنشئة اْيضاّ تبادل النكات اْوة الإحاديث التى يلقيها الجد على الإحفاد اْو التى تكتسب من سياق موقف ما , فغالبا ما يصطحب الإباء اْبنائهم فى المراحل العمرية الإولى ليشاركوهم فى كافة المواقف , المناسبات الدينية والمظاهر الإحتفالية بالإعياد والإفراح والماْتم , بل يتعدى الى الشد على اْيديهم لتحمل المسئوليه حال عجز العائل _الاب فى تلك الحالة اْو الاخ الاكبر_ عن آداء المهمة اْو العرف السائد هناك بالواجب!!.
كم اْنا فخور بعلم الاجتماع والذى ساعدنى على تكوين إطاراّ لفهم طبيعة العلاقات وما هيه الإجراءات والتى يجرى تجريدها على نحو نظرى للإجابه على السؤال التالى :من اْنا ؟ وما الدور الذى ساقوم به فى كيان الجماعة؟ من هم ؟ وما يكونون؟.

This entry was posted on Jun 5, 2008 at 3:55 PM . You can follow any responses to this entry through the comments feed .

0 انشر تعليقك على المقالة

Post a Comment